إذا
كان خالد سعيد قد صار أيقونة الاحتجاج على وسائل الشرطة القمعية فى عهد
مبارك فإن الطبيب الشاب أحمد حرارة صار أيقونة الإصرار من أجل استكمال
الثورة وتحقيق الشعار الذى رفعته فى الساعات الأولى لها "عيش.. حرية..
عدالة اجتماعية" فبكلمات رائعة عبر حرارة عن فلسفته فى الحياة.
"أعيش كفيفا مرفوع الرأس وبكرامة أفضل من أن أعيش مبصرًا مكسور العين"
كانت
هذه أولى كلمات حرارة الثورة عقب فقده نصف الرؤية وسط توقعات من الكثيرين
بأن مشواره فى العمل النضالى قد انتهى عند هذا الحد، فالذى قدمه ليس
بالقليل لقد قدم عيناً بأكملها فى يناير 2011.
ولكن استغرب جميع
الثوار من شدة الإرادة الحديدية التى يتمتع بها فقد أصر على النزول لميدان
التحرير بجمعة "المطلب الوحيد" التى دعت إليها القوى الوطنية لإعلان رفض
وثيقة الدكتور على السلمى، نائب رئيس الوزراء، والمطالبة بتحديد جدول زمنى
لتسليم السلطة للمدنيين، وفى تمام الساعة 7 مساء يوم 19 فبراير استقبل
مستشفى العيون الدولى "أحمد حرارة"، ليؤكد الطبيب المعالج أن حجم الخرطوش
الذى أصابه هذه المرة يبلغ أضعاف الحجم العادى، وبعبارة أخرى يفقد حرارة
عينه الثانية إلى الأبد ليتحول إلى رمز لكل المصابين والمصرين على أن تحقق
مصر حلمها فى الحرية والكرامة.
من هو؟
إنه أحمد محمد على
البلاسى الشهير باسم «أحمد حرارة» طبيب الأسنان المصرى البالغ من
العمرالـ30، والذى تخرج فى كلية طب الأسنان بجامعة 6 أكتوبر والجدير
بشخصية عام 2011
يعتبر من شباب الثورة الحقيقيين الذين أعطوا فى
صمت فرغم هرولة الكثيرين إلى شاشات الفضائيات ووقوعهم فى الفخ الإعلامى
إلا أن حرارة ظل بعيدا عن الأضواء مختفيا عن الكاميرات لا يتاجر بقضيته
فقد رفض فى إباء وشمم أية مساعدة مالية سواء من المؤسسات أو الأفراد ولم
تكن الثورة لديه تعنى السب والشتم بقدر ما كانت تمثل عطاء بلا حدود.
(كلنا أحمد حرارة)
على
غرار أيقونة ثورة 25 يناير خالد سعيد، والذى راح ضحية قمع وزارة الداخلية
أسس أعضاء شبكة التواصل الاجتماعى الشهير فيس بوك صفحة مماثلة لأحمد حرارة
انضم إليها حتى الآن آلاف الأعضاء لتحفيزه ومشاطرته أحزانه وأفراحه
ولتسكين آلام الظلمة التى يعيشها الآن.
وجاء بروفايل هذا الشاب
الثائر ليعبر عن رؤيته وأفكاره تجاه ما يحدث سواء ناحية المشهد السياسى
المرتبك أو زملائه الذين قادهم على مدار أحداث الثورة فى مصر منذ الوهلة
الأولى.
وكانت آخر حالات البطل التى دونها على الموقع كالآتى: (يوم
13 نوفمبر): إلى كل أصدقائى المسيحيين هتنزلوا معايا يوم الجمعة 18 نوفمبر
دى مش جمعة سلفية والميدان بتاعتنا والثورة بتعاتنا مش ثورة إسلامية..
الدين لله والوطن للجميع.
(يوم 15 نوفمبر): مصابو الثورة معتصمون
فى ميدان التحرير، انزلوا اتعرفوا عليهم، جيبولهم بطانيات، أدوية برد
وفيتامينات.. اسمعوا قصصهم. (15 نوفمبر): الثوار يحبون الحياة ولا يخشون
الموت.
احتفاء نشطاء الإنترنت بـ«أحمد حرارة» ربما لن يعيد له
عينيه، لكنه يؤكد أن الثورة مستمرة.. حيث لم يهدأ بال أصدقائه وأقاربه على
موقع الفيس بوك.. حيث أدلى كل منهم بشهادته تجاه ما حدث، خاصة بعدما أطلق
البعض على أحمد لقب «بلطجى التحرير»!.
فأحد أصدقاء أحمد كتب:
(الناس بتتكلم عن دكتور أسنان فقد عينيه فى مرحلتين ومستقبله راح، لكن ده
صاحبى أنا بتاعى أنا بتكلم عن حرارة اللى بيعتبر نفسه فرفور من المعادى..
أنت مش هتشوف النور تانى، مش هتشوف أمك تانى، مش هعرف أعملك تاج، لأنك مش
هتعرف تحط كومنت.. ليه مجتش فيا وكملنا عور إحنا الاتنين؟، أقسم بالله
مكنت هزعل.. اه وألف اه يا صاحبى!».
بينما نشر صديق آخر له صورته
وهو فى المستشفى يتلقى العلاج قائلاً (صاحبى اتصاب فى عينه اليمين يوم 28
يناير ومبقاش يشوف والناس كلها كرمته وكانت تشوفه تتصور معاه وكانت فخورة
به، امبارح فقد عينه التانية يعنى مبقاش يشوف خلاص، جايين دلوقتى تقولوا
عليه بلطجى، حسبى الله ونعم الوكيل، وحياة أمى ما هنسيب حقك ولا حق كل
واحد يا دكتور يا أستاذى».
قالوا عنه:
تبارت الصحف العالمية
والأجنبية فى الاهتمام بالبطل المصرى أحمد حرارة الذى بات رمزا لنضال
لحرية وكفاح الشعب المصرى فى استمرار ثورته المطالبة بالحرية والكرامة
والعدالة الإنسانية.
ففى اختيارها لشخصية المتظاهر حرصت مجلة
التايم الأمريكية على انتقاء أبرز 10 شخصيات بارزة فى التظاهرات التى
اجتاحت العالم.. وكان على رأس القائمة طبيب الأسنان المصرى أحمد حرارة
البالغ من العمر 31 عامًا، الذى وصفته بأنه فقد عينه اليمنى جراء الإصابة
برصاص مطاطى أثناء مشاركته فى مظاهرات جمعة الغضب التى اندلعت فى مصر فى
28 من يناير، والتى كانت شرارة الاعتصام فى ميدان التحرير لمدة 18 يومًا
هى عمر ثورة اللوتس المصرية والتى نجحت فى الإطاحة بمبارك ونظامه
الحاكم.وفقد حرارة عينه اليسرى أيضا بنفس الطريقة التى فقد بها عينه
اليمنى فى الاحتجاجات التى شهدتها مصر فى نوفمبر الماضى.
وتحدث
حرارة لمجلة التايم عن الثورة المصرية التى لم تنته بعد موضحا أنه سيسافر
إلى ألمانيا وسويسرا للعلاج، مؤكدا أنه إذا كتب الله له أن يرى مرة أخرى
فسيحاول البحث عن عمل مكتبى أما إذا لم يتسن له الشفاء فإنه سيحاول تعلم
طريقة برايل للكتابة.. (حرارة رجع بعدها دون أن يرى).
وأشار حرارة
إلى أنه قبل الثورة كان يتحدث دوما إلى أصدقائه عن أن أحوال البلاد ليست
على ما يرام فالفقراء يزدادون فقرا والأغنياء يزدادون غنى ولكنه أكد أنه
وأصدقاءه لم يشاركوا من قبل فى أى مظاهرة أو احتجاج.
أما صحيفة
الجارديان البريطانية فقد وصفته بأنه الأيقونة الثورية التى جعلت من عصابة
العين «رمز شرف» يرتديه الثوار المصريون ليعبروا عن التضحيات التى قدموها
وسيقدمونها من أجل وطنهم.
وأشادت صحيفة فاينانشيال تايمز
البريطانية بالشاب المصرى أحمد حرارة الذى فقد عينه اليمنى يوم جمعة الغضب
فى 28 من يناير الذى خرج المصريون فيه إلى الشوارع للمطالبة بكرامتهم
وحقوقهم المسلوبة وناضلوا أمام بطش قوات الشرطة لساعات طويلة، وهو ما أدى
إلى تراجع الشرطة أمام المتظاهرين بشكل لم يسبق له مثيل. ونقلت الصحيفة
البريطانية عن باسم صبرى – صديق حرارة- أن أحمد كان يحاول مساعدة المصابين
وانتهى به الأمر إلى فقد عينه.. وكأن شيئا لم يتغير فنحن لا نعرف ما إذا
كان الجيش لا يستطيع السيطرة على الشرطة أم أنهم ليست لديهم الرغبة فى ذلك.
فيما
قالت صحيفة سيدن مورنينج هيرالد الأسترالية إن حرارة الذى عاد إلى وطنه من
رحلة علاج فاشلة أضاف رمزا جديدا للثورة، وأصبحت عيناه اللتان فقدهما ثمن
صراع مصر من أجل الحرية منذ يناير، وسلطت الصحيفة الضوء على رسومات
الجرافيتى التى تظهر أسدى قصر النيل يرتديان عصابة العين باعتبارهما شارة
التحدى للقناصة الذين يتصيدون عيون الشباب لإرهابهم، ثم أبرزت الاستقبال
المشرف للبطل الذى ساهم بنور عينيه لترى مصر نور الديمقراطية.
إصرار دائم على الابتعاد عن الأضواء
رغم
أن كثيرين لم يقدموا معشار ما قدمه حرارة يصرون على تصدر المشهد الإعلامى
باعتبارهم صانعى الثورة بل والمحتكرين الحصريين لها إلا أن حرارة يصر
إصرارا عجيبا على البقاء بعيدا عن الأضواء لذا لم يكن الحديث معه بالسهل
اليسير فهو يريد أن يظل يعطى بلا حدود ويتحدث بحدود لذا حاولت المصريون أن
تحاوره لتقربه أكثر إلى القارئ ولكنه كعادته جاءت كلماته قليلة.
سألنا البطل أحمد حرارة: ما تعليقك على ماحدث لك؟
قال: "لم أكن وحدى من نزل إلى الميدان طالبا الشهادة". لقد تمنيت الشهادة بميدان التحرير.
وبخصوص علاجه تحدث قائلا: «قررت أن أتكفل بمصاريف علاجى حتى لا أحصل على مقابل لما قدمته لبلادى».
فقد
سافرت إلى فرنسا على نفقتى آملا فى نجاح جراحة قد تعيد لى النور مجددا
ولكنى عدت إلى مصر فاقدا بصرى، بعد إجراء عملية جراحية، لإزالة التجمع
الدموى وطلقات الخرطوش من عينى، والتى لم يكتب لها النجاح.
حرارة الثورة يروى لـ"المصريون" تفاصيل انضمامه للمظاهرات المطالبة بسقوط النظام
لم أخرج ضمن المظاهرات التى شهدتها مصر يوم 25 من يناير لأنهم كانوا
ينادون بإقالة وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى ورفع حالة الطوارئ فضلا
عن زيادة الحد الأدنى للأجور، وكنت أرى أن تغيير وزير لن يحدث تغييرا فى
ظل هذا النظام ولكن ما دفعنى للنزول للمشاركة فى المظاهرات من يوم 26
يناير عندما ارتفع سقف المطالب«الشعب يريد إسقاط النظام» وفى يوم 28 يناير
ذهبت إلى مسجد مصطفى محمود حيث تم الاتفاق على التجمع هناك، حيث شعرت أن
الشعب المصرى قد بات مصمما على الإعراب عن غضبه من النظام الحاكم لأول مرة
فى تاريخه على الإطلاق.
ويتابع حرارة حديثه قائلا:"أصبت يوم جمعة
الغضب بشظايا طلقات نارية حوالى 64 إصابة فى وجهى وستة فى عنقى وأربع فى
الرئة، وهو ما نجم عنه إصابتى بنزيف داخلى اضطرنى بعد ذلك للبقاء فى
المنزل للعلاج.. ولكن عندما شعرت بتحسن فى حالتى كان التحرير هو المكان
الأول الذى خرجت إليه مشاركا فى جميع الاحتجاجات للإطاحة بمبارك وتطهير
الشرطة والإعلام والقضاء".
سألناه عن رأيه فى المجلس العسكرى والطريقة التى أدار بها البلاد؟
أجاب بلهجة كلها مرارة المجلس العسكرى خدعنا عندما قدم التحية لشهداء الثورة وقت توليه المسئولية.
وينبغى عليه الآن التسليم الفورى للسلطة لسلطة منتخبة والرجوع إلى ثكناتهم العسكرية على الحدود لحماية الوطن من الأعداء.
وأضاف أن مصابى الثورة واجهوا إهمالا جسيما فى علاجهم ولم يتم القصاص من قتلة الثوار حتى الآن.
وأشار
إلى أن الجندى المجهول فى ثورة يناير هم جمعيات ومراكز المجتمع المدنى
التى يقوم المجلس العسكرى بتشويهها ومداهمة مقارها حاليا.
وعن توقعه عن 25 يناير وكيفية الاحتفال
تحدث
بنبرة كلها حزن قائلا: "ثوار أحرار هنكمل المشوار" مؤكدا أن الثوار نازلين
يوم 25 يناير. لتحقيق مطالبهم وهو تسليم السلطة بطريقة سلمية.
وبسؤال حرارة عن موقفه من قضية سميرة إبراهيم صاحبة قضية كشف العذرية؟
رد
ثائرًا "أنا متضامن مع سميرة إبراهيم ضد العسكرى فى قضية كشف العذرية
قائلا:"لقد كنت حريصا على حضور جلسة النطق بالحكم فى تلك القضية وسط عدد
كبير من النشطاء والناشطات مثل الإعلامية بثينة كامل، ووائل قنديل وخالد
عالى رئيس المركز المصرى للحقوق الاقتصادية متضامنين معها.
ثم صمت
قليلا وقال بتأثر واضح أنا فقدت عينى صحيح لكنى مستمر فى نضالى ضد الظلم
والفساد مكملا: "أنا متضامن مع كل أهالى شهداء الثورة إلى أن يتحقق العدل
بالقصاص من الطغاة القتلة.
اتجهنا إلى والدة حرارة ولم ندر ماذا نقول لها وكيف نواسيها ولكنها فاجأتنا بقولها:
"عيون ابنى مش خسارة فى الثورة".."الخسارة إن اللى عمله يروح هدر"
ولكنها أبكتنا بقولها ''أحمد هو اللى كان شيلنى وأنا ست كبيرة"
ثم
أبدت سعادتها بتقدير المصريين لتضحية حرارة قائلة: ''الناس حست باللى عمله
أحمد، ودى حاجة حلوة أوى أنهم يحسسوه بقيمة تضحيته''، متمنية أن تنجح
الثورة فى تحقيق أهدافها كاملة حتى لا تضيع تضحيات شهداء ومصابى الثورة.
بطولات "حرارة" تخطف قلوب العذارى
بطولات
حرارة جعلت منه فارسا يمتطى حصانا أبيض يخطف قلوب العذارى وتتمناه أكثر من
فتاة ليكون فارسها الذى يخطب قلبها.. فأصبح وبحق طبيب القلوب حينما ترى
الابتسامة التى لا تفارق وجهه، برغم إنه فقد عينيه للأبد.. فأصحاب البصيرة
لا يحزنهم فقد الأبصار.
فدعاء لم تنتظر أن تسبقها واحدة
من بنات جنسها وتخطف قلبه قبلها فتقدمت لتطلب يده وحبه ووده وتسأل الزواج
منه ووجهت إليه طلب الزواج على يد "صفحتها على الفيس بوك وتويتر" قائلها
له: "الى البطل أحمد حرارة أنا اسمى دعاء عبد الرءوف26سنة بشتغل فى مجال
البرمجيات، ﻻ أبالى تماما ماسيقال ولم يأت كلامى أبدا نتيجة عطف أو شفقة،
ما أود أن أقوله إنك تشرف أى فتاة تتقدم إلى خطبتها.. تتجوزنى؟!
وبسؤال "حرارة" عن عرض الزواج المعروض عليه من قلب دعاء عبدالرءوف 26 سنة؟
ابتسم كعادته قائلا بكلمات قليلة:"والله كتر خيرها".
هذا
هو أحمد حرارة بطل أعطى بلا حدود، ولكنه آثر الصمت والابتعاد قدر الإمكان
عن مواطن الشهرة والأضواء.. إنه عينة حقيقية من ثوار مصر الأصليين الذين
غابوا عنا طويلا فهل نراهم اليوم ونحن نحتفل بالذكرى الأولى بالثورة