تحت
هذا سر عظيم من أسرار التوحيد، وهو أن القلب لا يستقر ولا يطمئن ويسكن إلا
بالوصول إليه، وكل ما سواه مما يحب ويراد فمراد لغيره. وليس المراد
المحبوب لذاته إلا واحد إليه المنتهى ويستحيل أن يكون المنتهى إلى اثنين
كما يستحيل أن يكون ابتداء المخلوقات من اثنين ، فمن كان انتهاء محبته
ورغبته وإرادته وطاعته إلى غيره بطل عليه ذلك وزال عنه وفارقه أحوج ما كان
إليه. ومن كان انتهاء محبته ورغبته ورهبته وطلبه هو سبحانه ظفر بنعيمه
ولذاته وبهجته وسعادته أبد الآباد.
العبد دائما متقلب بين أحكام الأوامر وأحكام النوازل، فهو محتاج بل مضطر
إلى العون عند الأوامر، وإلى اللطف عند النوازل، وعلى قدر قيامه بالأوامر
يحصل له من اللطف عند النوازل ، فإن كمل القيام بالأوامر ظاهرا وباطنا ناله
اللطف ظاهرا وباطنا، وإن قام بصورها دون حقائقها وبواطنها ناله اللطف في
الظاهر وقل نصيبه من اللطف في الباطن.
فإن قلت: وما اللطف الباطن؟ فهو ما يحصل للقلب عند النوازل من
السكينة والطمأنينة وزوال القلق والاضطراب والجزع، فيستخذى بين يدي سيده
ذليلا له مستكينا ناظرا إليه بقلبه ساكنا إليه بروحه وسره، قد شغله مشاهدة
لطفه به عن شدة ما هو فيه من الألم، وقد غيبه عن شهود ذلك معرفته بحسن
اختياره له وأنه عبد محض يجري عليه سيده أحكامه رضي أو سخط، فإن رضي نال
الرضا وإن سخط فحظه السخط، فهذا اللطف الباطن ثمرة تلك المعاملة الباطنة
يزيد بزيادتها وينقص بنقصانها.