لماذا يزداد الأثرياء ثراء والفقراء فقرا؟‏!

السؤال يبدو صعبا وشائكا ومطروحا في كافة المجتمعات الشرقية والغربية علي السواء‏..‏ وهو سؤال طالما تناوله الخبراء الاقتصاديون والاجتماعيون والمحللون السياسيون‏..‏ لكن الاجابة ظلت مع ذلك تائهة وغائبة حتي يومنا هذا‏..‏

مارك بوكانان مؤلف الكتاب الذي بين أيدينا اليوم وهو متخصص في مجال الفيزياء النظرية أجاب عن السؤال الصعب من منطلق خاص جدا ورؤية جديرة حقا بالتأمل‏..‏

مفتاح الاجابة لدي بوكانان يتمثل في التعامل مع الظواهر الاجتماعية التي تحيطنا بمختلف ملامحها وأشكالها وأنماطها عبر رؤية فيزيائية خالصة‏..‏ او بعبارة أخري يدعونا الكاتب إلي التعامل مع هذه الظواهر الاجتماعية مثلما يتعامل علماء الفيزياء والطبيعة مع الذرات‏(!)‏ والكتاب الذي يحمل عنوانا جانبيا‏(‏ الذرة الاجتماعية‏)‏ يدعونا لمحاولة النظر إلي سلوك الأفراد‏,‏ لا كأفراد‏,‏ أو الاقتصار علي دراسة دوافعهم الذاتية‏.‏ وانما الأهم والأجدي التعرف علي نوع‏(‏ التبادلية‏)‏ وأنماطها وتوجهاتها العامة في ظروف معينة‏,‏ وذلك شأن الذرات حين تلتقي فيحدث بينها تفاعل ورد فعل وتنظيم ذاتي معين‏..‏ ومثلما تؤدي الجاذبية بين الذرات إلي جوانب متماسكة‏,‏ تغدو التبادلية بين الافراد والجماعات أداة للتعاون والتماسك في الكيان المجتمعي‏..‏

وربما من هذا المدخل الخاص والجديد معا يمكن فهم الكثير من الظواهر المختلفة التي تشهدها المجتمعات الانسانية‏,‏ فرؤية الناس‏(‏ كذرات في مادة إجتماعية‏)‏ تتيح لنا تفسير وفهم ظواهر اجتماعية كثيرة كانت تبدو غير مفهومة وغير مبررة في السابق‏,‏ وتتيح لنا كذلك البحث عن أسبابها ومبرراتها الحقيقية دون زيف‏..‏ عناوين كثيرة يمكن رصدها هنا والتي تندرج تحت منهج البحث الذي يطرحه الكاتب‏(‏ الذرة الاجتماعية‏)‏ وعلي رأسها مشاكل الفقر ـ تداعي المجتمعات ـ الحرية ـ الديمقراطية‏.‏ انتعاش الأحوال الاقتصادية ـ أزمات البطالة‏..‏ والكثير والكثير من الظواهر المجتمعية الانسانية التي يشهدها عالمنا‏..‏

ويؤكد بوكانان انه كما تؤدي الجاذبية بين الذرات إلي‏(‏ جوامد متماسكة‏),‏ تغدو‏(‏ التبادلية‏)‏ بين الأفراد والجماعات أداة للتعاون والتماسك في الكيان الاجتماعي‏,‏ او بعبارة أخري أكثر بساطة‏,‏ أنه كي يتحقق التوازن في المجتمعات‏.‏ ويسود الاستقرار‏,‏ ينبغي ان يتمتع الأفراد بنوع من التوازن بين الواجبات والحقوق‏..‏ فمقابل الواجب الذي يقع علي عاتق المواطن هناك حق له‏..‏ وبالتالي هناك نوع من العدالة‏..‏ ومن ثم نظام مستقر‏..‏ والقرار حين ذاك‏(‏ أي قرار‏)‏ لاينبع من الأفراد بل من المؤسسات‏..‏ ومن هنا تتحقق الديمقراطية‏..‏ قدم للكتاب د‏.‏ حامد عمار ترجمة أحمد علي بدوي ـ صادر عن الدار المصرية اللبنانية‏.‏