يذكر التاريخ سليمان حافظ جيداً كأحد الأسباب الرئيسية التي مهدت الطريق أمام حركة 23/7 للقضاء علي الحريات وقيام نظام شمولي في أعقاب 1952.. وكذا لن ينسي التاريخ ما فعله المستشار طارق البشري في تحويل مسار الثورة الشعبية المصرية الأولى
في القرن الجديد وإغراقها في برك وأوحال ما خلفه لنا النظام المستبد البائد.. وذلك بداسة فكرة الانتخابات أولاً ثم يتم وضع الدستور في مخالفة واضحة لكل بديهيات بناء المستقبل والوطن الجديد.. فعلها انتصاراً لاعتقاده أن الطريق أصبحت مهيأة لانتصار فصيل بعينه.. وهو الإخوان المسلمين.. وهو الاعتقاد المسيطر علي جماعة الإخوان.. ولعل هذا يفسر تسارع جماعة الإخوان لإجراء أي انتخابات فى أى هيئة أو مؤسسة طبقاً لقوانينها القديمة الموجودة بغض النظر عن بؤس هذه القوانين وعوارها وعدم تعبيرها عن مصالح الجموع من أبناء المؤسسين وعدم ديمقراطيتها.. وهذا ما هو حادث في التلهف علي إجراء انتخابات المعلمين والأطباء والمهندسين.. رغم معلومية الجميع أن النظام القانوني والانتخابي الذي تقوم عليه تلك النقابات مأخوذ من النظام السوفيتي الشمولي مما يؤدي به للترويج للنظام السياسي القائم في حينه وهذا هو حال اتحاد عمال نقابات مصر وغيره من النقابات المهنية أو العمالية.. وكان طبيعياً في أعقاب الثورة أن يتم التوافق علي وضع الدستور الذي يفصل شكل ووظائف المؤسسات والسلطات المختلفة وتفصيلها.. وكذا أن يتم التوافق علي قوانين الانتخاب المختلفة للبرلمان والمجالس البلدية وتقسيم الدوائر طبقاً لمعايير ديمقراطية وإحصائية.. وقوانين انتخاب وتشكيل النقابات المهنية والعمالية بحيث تكون معبرة عن مصالح أعضاء النقابات بشكل تمثيلي جيد وبعيداً عن سيطرة النظام.. أما الملاحقة المتلهفة للقفز علي الكراسي بكل الصور الممكنة هو ما يؤدى إلي الإبقاء علي مفاصل وهياكل النظام الشمولي البائد.. نعم فعلها طارق البشري وتبخرت أحلام الثورة المصرية في وطن ديمقراطي منفتح يبني مستقبله بروح جماعية تنظر للأمام بثقة.. لا متعثرة في خلافاتها واقتساماتها.. لقد غرق الجميع في البداية في معركة الاستفتاء المدسوسة حول المادة الثانية التي افتعلها تيار الإسلام السياسي لتزييف معني الاستفتاء في موضوع غير مطروح!! ثم غرقنا ثانية في معركة الدستور أو الانتخابات أولاً.. مدنية أم دينية.. وعادت القوي السياسية لتخوض معركة شكل قانون الانتخاب.. قائمة أم فردي.. ثم أغرقنا المجلس العسكري في تفاصيل غريبة القوائم 50٪ أم 100٪.. القوائم 50٪.. معركة طويلة للوصول لقوائم ثلثين فردي ثلث.. قانون الغدر.. لا قانون العزل.. وفجأة نجد أسوأ تقسيم للدوائر في التاريخ.. ليجني المصريون كل كوارث وعيوب كلا النظامين القوائم والفردي.. ويحرك أئمة تيار الإسلام السياسي معركة تسليم الحكم لسلطة مدنية.. وتهديد هنا وتحذير هناك من دماء تسيل في سبيل هذا وبالطبع هناك في المخيلة أحداث مارس 54.. وهم في هذا لا يذكرون ما حدث حينما وقفوا بجوار ناصر ورفاقه العسكر وباركوا خطواته واتفاقاته في أكتوبر 54 مع الإنجليز في وقت كانت الانفجارات تدوي في وسط البلد وجروبي ومحطة مصر بفعل فاعل كما اعترف عبداللطيف البغدادي في مذكراته لإشاعة الذعر من الديمقراطية وسيرت التظاهرات لمهاجمة الديمقراطية ودخلوا مجلس الدولة ليتم ضرب السنهوري بالأحذية ويفصل أساتذة الجامعة 4 سبتمبر 54 ويتم اعتقال وتحديد إقامة العديد من أعضاء وقادة الوفد والقوي السياسية المختلفة وقد صمت الإخوان في ذلك التاريخ تجاه كل هذه الأحداث طمعاً في اقتسام الكعكة.. وبالطبع حدث ما حدث وانفرد العسكر بالحكم بمباركة إخوانية يتجاهلونها اليوم وكأن ما حدث لم يكن لهم يد به!!
وهكذا تأتي الانتخابات المرجو إقامتها في 27/11 وقد استنزف الجميع في معارك بالية غير منتجة.. استنزفت الروح الثورية.. سرقت بوادر الأمل والنور في صناعة المستقبل.. ولعل هذا يتجلي فيما يلي:
1- فشلت جميع الأحزاب والقوي السياسية في أن تصنع تحالفاً انتخابياً واحداً.. ولعل هذا دليل زاعق علي اختفاء روح العمل الجماعي.. طغيان المصالح الضيقة علي الصالح العام.. وكان فشل التحالفات المختلفة وتهاويها أمام أعين المتابعين باعثاً علي اليأس في نفوس الناس وكاشفاً عن أن شيئاً لم يحدث.. فالنظام البائد بجميع سلبياته الأخلاقية والسلوكية هو المظلة التي تظلل المعركة الانتخابية القادمة!!
2- افتقاد القوي التقليدية وأقصد الوفد والإخوان والأحزاب القديمة للمبادرة والجرأة والدفع بكوادر شبابية جديدة من أبنائها للتعبير عن رؤية المستقبل الذي يتشارك فيه الجميع لإشاعة مناخ عام لقضايا المستقبل التي تشغل الجميع وتجعل الشعب يستشعر جدية في تناول القوي الكلاسيكية لمستقبل الوطن.
3- الالتزام بنفس قواعد اللعبة المملة من البحث عمن يملك قبلية وعصبية ومالاً مما أحيا الآمال لدي جميع أشلاء الحزب الوطني وجميع أركان الفساد والفلول للانخراط بالمعركة والدفع بقواها لإحراز ما يمكن إحرازه والمحافظة علي قواعد اللعبة بغض النظر عن تغيير بعض الوجوه.
4- الاستخدام الواسع لقوة المال بدا واضحاً لدي الفلول ولدي جماعة الإخوان في إغراق الدوائر بكميات هائلة من المواد التموينية وتوزيعها طمعاً في استلاب الأصوات.. كل هذه الأجواء تدفع لليأس لقطاعات واسعة ممن كانوا محتجبين عن التصويت فيما مضي فيعودون اليوم ليستشعروا أن شيئاً لم يحدث مما يدفعهم للعودة إلي الكمون السلبي في المشاركة الانتخابية.
6- اتضح بما لا يدع مجالاً للشك أن إعداد القوائم يحتاج إلى أن يكون الحزب مبادراً بوضع أبنائه في تشكيل القوائم للتعبير الجيد عن رؤيته وبرنامجه، وأيضاً أن يقوم الحزب بالتمويل الكامل لحملته الانتخابية مما يفتح آفاقاً جديدة عن طبيعة البحث عن تنمية موارد الحزب وقدرته علي إدارة المعارك الانتخابية ويفتح تساؤلات جادة عن طبيعة متابعة مصادر التمويل لمختلف القوي السياسية وإيجاد قوانين وآليات صارمة في المتابعة والمحاسبة.
تلك ملاحظات أولية عن انتخابات قادمة يتم إفراغ روح الثورة منها من قبل أن تبدأ لحساب اللهفة علي كراسي الحكم والبرلمان.. وها هي تونس تقود خطواتها الصحيحة لوضع دستور طبقاً لآليات انتخابية منظمة وخطوات بناء للمستقبل صحيحة أما نحن فقد غرقنا في أوحال اللهفة وبرك الفلول وشبكة النظام البائد الواسعة المتصلة