رغم انتشارها فى السنوات الأخيرة، ربما يتصور البعض أن بدايتها كانت فى بداية التسعينيات أو الألفية الجديدة، لكن الحقيقة أن أول برنامج توك شو فى العالم العربى بمعناه الإعلامى ظهر فى سبعينيات القرن العشرين على شاشة التليفزيون المصرى، والذى شارك فى تقديمه كل من «سمير صبرى وسلمى الشماع وفريدة الزمر»، والذى استمر عدة سنوات تحت اسم «النادى الدولى».
بدأت برامج التوك شو فى الانتشار إلى أن أصبحت المنابر الرئيسية للإعلام المصرى، فباتت البرامج الحوارية واحدة من أكثر أنواع البرامج التليفزيونية شعبيةً فى العالم أجمع، حيث تحظى هذه النوعية من البرامج بنسبة مشاهدة كبيرة، إلا أن المشاهد المصرى لا يشعر بأن هناك ما يميز البرامج الحوارية المصرية، ويعتقد أن الفارق بينها يتمثل فى شعار القناة ومقدم البرنامج، ويتوحد الجميع فى المضمون المقدم هذا هو رأيى نخبة من خبراء الإعلام حول برامج «توك شو» مصر.
بداية، يصف الدكتور حسن عماد مكاوى، الأستاذ بقسم الإذاعة، عميد كلية الإعلام جامعة القاهرة، البرامج الحوارية المصرية بـ«السيئة جدا»، متحدثا عن تقييمه لمستواها بأن هذه البرامج تستضيف الضيوف أنفسهم وتناقش الموضوعات المكررة على الشاشات المختلفة نفسها دون مراعاة للظروف التى تمر بها البلاد أو المصالح العليا.
وأضاف «مكاوى» أن المستوى السيئ لبرامج «التوك شو» ينعكس على المشاهد المصرى بالإحباط، حيث يستشعر عدم وجود أمل فى المستقبل، ويعتبر «مكاوى» امتلاك كل قناة برنامجاً حوارياً خاصاً بها نوعا من الفخر والفقر الإعلامى فى إنتاج أفكار متنوعة، حتى أصبحت برامج التوك شو هى عمود القنوات الفضائية، وأصبح اسمها «قنوات البرنامج الواحد».
وفيما يخص توقيت العرض، اعتبر «مكاوى» ذلك حرصاً من القنوات على تقديم برامجها فى أوقات ذروة المشاهدة، إلا أن ذلك جعلها متشابهة فى تقاريرها الإخبارية وفى عرض أحداثها اليومية، حتى أصبح ما يميز كل برنامج حوارى عن غيره هو شعار القناة ومقدم البرنامج، وأصبح المشاهد يتوقع ما سيقوله الضيوف من آراء من كثرة تكرار استضافتهم ومعرفة انتماءاتهم الحزبية والسياسية مسبقا، وكل ذلك بعيد عن المصلحة العامة.
واقترح «مكاوى» أن يكون لدينا جهاز إعلامى غير منتم للحكومة، يستند فى وضع سياساته العامة إلى شخصيات ذات خبرة بعيدا عن الإعلام السلطوى والشمولى، وقال: «نعانى الآن من إعلام دون ضوابط أساسية يحتكم إليها، لذا نحتاج لجهة تمثل الإعلام الرسمى، والخاص، وتضع مواصفات للإعلام المصرى كى يراعى صالح المجتمع ويتعامل بمهنية تجاه المشاهد».
ومن بين المعايير التى تضفى تميزا على برامج الـ«توك شو» يؤكد «مكاوى» أن الممارسة المهنية تستدعى مراعاة الدقة فى عرض الأخبار، وحق الرد لمن يساء له فى البرنامج، والاحتكام للجماهير فى اختيار القضايا، وعدم إقحام المذيع رأيه الشخصى أثناء عرض القضايا المثارة، بجانب شبكة من المراسلين تغطى المحافظات المصرية، إن لم تكن شبكة دولية، بالإضافة لتعبير الضيوف عن جميع القوى المصرية فى المجتمع، وبذل جهد حقيقى فى دراسة القضايا المثارة قبل عرضها على المشاهد، وهو ما يظهر فى مستوى مناقشة البرنامج لهذه القضايا، كما يحدث فى قناة «بى. بى. سى»، حيث يتضح جهد الإعداد فى الدراسة والبحث عن القضايا المثارة جليا أمام المشاهد.
واعتبر «المكاوى» تحول صحفيين إلى مقدمى برامج حوارية ظاهرة معيبة للإعلام التليفزيونى الذى تجاوز مسيرته الإعلامية الـ50 عاما، حتى أصبح هناك اختفاء ملحوظ للكوادر الإعلامية المدربة والمؤهلة، فلا نعلم أن كانت هذه الكوادر موجودة ومستبعدة أم غير موجودة، وهو ما يجعل الأخيرة كارثة.. ومن المتعارف عليه أن الفضائيات لا تنشأ من فراغ بل تأخذ عاما على الأقل فى الإعداد والتدريب لوجوه جديدة لتحقيق أهداف القناة بما يعطيها شخصية متميزة.
وأضاف «مكاوى» أن القنوات الجديدة تلجأ إلى شخصيات «جاهزة» ومعروفة مثل الصحفيين، أو تستقطب مشاهير من الإعلام الرسمى لتقديم البرامج الحوارية، وهو ما يجعلنا نلحظ عدم وجود كوادر ووجوه خاصة بأى قناة.
(الـ«توك شو» الذى لم يحترم عقلى ويتفاهم معه أصبح فى «البلاك ليست»).. هكذا أعطى الإعلامى طارق حبيب تقييمه لبرامج التوك شو المصرية، عارضا تجربة خاضها مؤخرا عندما قام بتقديم برنامج فى إحدى القنوات الجديدة والذى توقفت حلقاته فجأة دون مبرر ولم يعطوا له شرائط الحلقات التى قام بتسجيلها ولم يحصل منهم كذلك على صورة من التعاقد معهم وهو ما جعله يتساءل عن حقيقة هذه القنوات التى تظهر لاستقطاب المشاهير للعمل بها دون احترام للتعامل معهم، مما ينعكس على تعامل هذه القنوات مع الجمهور وعدم احترامها لعقليته، حتى تحولت البرامج الحوارية فى مصر إلى موضة وآراء مستنسخة وأضاف: «وبالنظر للبرامج التى قمنا بتقديمها فى السبعينيات كانت دائما تحترم ضيوفها وجمهورها وتعرض دائما رؤاهم المستقبلية ولكن ما يعرض حاليا لا نستطيع متابعته لعدم التفريق بينهم فى الضيوف المستضافين أو الموضوعات التى تتم مناقشتها».
وقال «حبيب»: «يتم التعامل الآن مع المشاهد المصرى من قبل البرامج الحوارية بأن (التكرار يعلم الشطار)، مما يجعل جميع البرامج على درجة لا تجعلنا نميز الغث من السمين بينها»، وأضاف أن أصحاب هذه البرامج يتنافسون دون روح رياضية ويبالغون فى فتح ملفات دون رقابة ذاتية أو التفكير فى مصلحة الوطن، ولكن هدفهم الأول هو الإثارة وتقديم ما يثير المشاهد مثل الأغانى الجديدة المقلدة والتى لن تدوم.
وأضاف «حبيب» قائلا: «لو سألت المشاهد عن البرامج الحوارية هيقولك كفاية بقى كده»، فيجب أن يتغلب الكيف على حساب الكم حتى يمكن لهذه البرامج كسب احترام أكبر عدد ممكن من المشاهدين.
بينما يرى الكاتب الصحفى سعد هجرس أن برامج التوك شو ساهمت فى طرح قضايا كان مسكوتاً عنها وشاركت فى تحريك المياه الراكدة، سواء فى نظام مبارك السابق أو بعد 25 يناير، إلا أنه قال: «ممكن نكون مش راضيين عن التوك شو، والحوار فيها مش بالمقاييس المثالية لإن الناس ماتعودتش تأخد وتدى مع بعض فالحوار دائما يولد أفكارا جديدة».
وأوضح «هجرس» أن البرامج الحوارية تفتقر كذلك للمهنية حيث يخلط المذيع بين دوره كمذيع وصاحب رأى، ودائما ما يكون هناك تجاوز ولا تكون هناك معلومات، ونتيجة لذلك تتحول هذه البرامج «للتلويش»، ولكن مع الوقت وخلال التجربة الديمقراطية ستنضج هذه البرامج بالشكل الذى يجعل مستواها أكثر إرضاء للمشاهد المصرى.
واعتبر «هجرس» أن برامج التوك شو كذلك دائما ما تركز على القضايا المصطنعة، فمثلا التركيز الآن على الجانب السياسى للثورة وليس الجوانب الأكثر أهمية للمجتمع المصرى، مثل الفقر والاقتصاد، بالإضافة إلى تحول الإعلام المصرى لظاهرة قاهرية لا تعبر عن نبض الناس بالمحافظات خارج القاهرة، بجانب ضرورة تجديد دماء النخبة المستضافة فى البرامج الحوارية، وضخ دماء شبابية تجدد من دائرة التفكير التى تعمل بها هذه البرامج