كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فيكفي
أن نعلم جزاء إبليس؛ لنرى مقت الله -عز وجل- لمن تكابر وتعاظم، فالمؤمن
يعلم مقت الله للمتكبرين، وبالتالي فهو لا يتابعهم أو يعظمهم.
فالكبرياء
لا ينبغي إلا لله، ولا يليق إلا بجنابه، العظمة إزاره، والكبرياء رداؤه،
فمن نازعه صفة منها؛ أحل به الغضب والمقت والتدمير.
"المتكبر" أي:
الذي له الكبرياء، وهو -سبحانه وتعالى- يتكبر بالحق، وأما في الأشخاص
فـ"المتكبر" يكون بمعنى: الذي يُظهر الكبر ويتكلفه، وهذا الكبر هو الذي
يمقته الله، بل يمقت -سبحانه وتعالى- الذرة منه، فذرة من الكبر تمنع من
دخول الجنة كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ) قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ: بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ) (رواه مسلم).
أما "المتكبر" -سبحانه وتعالى-:
فهو الذي له الكبرياء الحق، فأمره في الخلق نافذ، وكل ما سواه أصغر وأحقر
من أن ينازعه صفته، فكلمة "الله أكبر" هي الكلمة التي أوجب الله -عز وجل-
على المسلمين أن يقولوها في اليوم مرات ومرات.. في الأذان وفي الصلوات
يفتتحونها بها، وفي مواضع الانتقال فيها، وفي ذلك إثبات لصفة الكبرياء لله
-سبحانه وتعالى-.
معاملة اسم الله المتكبر بما يقتضيه من صفة العبد:
الله
هو المتكبر، أما المخلوق فلا يجوز له أن يتصف بهذا الاسم، بل إن حظ
المخلوق من هذا الاسم أن يذل لكبرياء الله، ويخضع لعظمته -سبحانه وتعالى-،
ولا يتصف بشيء من ذلك أبدًا، كما جاء في الحديث القدسي أن رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- قال: (الْعِزُّ إِزَارُهُ وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ) (رواه مسلم)، وفي رواية: (قَالَ
اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ
إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا؛ قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).
والمقصود من ذلك:
أن هذه الصفات ملازمة له -سبحانه وتعالى-، وأنها لا تجوز إلا له كملازمة
الرداء والإزار للابسهما؛ إذ لا يمكن أن ينازع أحد الإنسان فيما يلبس؛
لأنها حق له (وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) (الروم:27).
الجزاء من جنس العمل:
فالعظمة
والكبرياء حق لله -سبحانه وتعالى- وحده، فمن اتصف بشيء من ذلك متعاظمًا
على أمر الله، متكبرًا على عباده فضلاً عن أن يكون متكبرًا على شرعه
-سبحانه وتعالى-، فهذا يُلقي به الله في النار ولا يبالي -سبحانه وتعالى-؛
إذ إن النار وكلت بكل جبار وبكل متكبر يُلقى فيها، كما جاء عن النبي -صلى
الله عليه وسلم- قال: (تَحَاجَّتْ الْجَنَّةُ
وَالنَّارُ فَقَالَتْ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ
وَالْمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتْ الْجَنَّةُ: فَمَا لِي لا يَدْخُلُنِي
إِلاَّ ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ وَعَجَزُهُمْ؟! قَالَ اللَّهُ
لِلْجَنَّةِ: إِنَّمَا أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ
عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ
مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا،
فَأَمَّا النَّارُ فَلا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ اللَّهُ -تَبَارَكَ
وَتَعَالَى- رِجْلَهُ تَقُولُ: قَطْ قَطْ قَطْ، فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ
وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَلا يَظْلِمُ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ
أَحَدًا، وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا) (متفق عليه).
فالنار
جزاء المتكبرين، ويكفي أن تعلم جزاء إبليس؛ لترى مقت الله -عز وجل- لمن
تكبر وتعاظم، فكبر إبليس هو الذي دفعه إلى أن يرد شرع الله -عز وجل-، ويرد
أمره بالسجود لآدم –عليه السلام- متكبرًا؛ فصغَّره الله -سبحانه وتعالى-؛
وذلك لأن مَن ترك أمر الله يريد أمرًا معينًا فالله يعاقبه بنقيض قصده، قال
الله -عز وجل-: (قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) (الأعراف:13)،
فلما تكبر إبليس -لعنه الله-؛ صغَّره الله -عز وجل-، وهكذا كل متكبر لا بد
أن يصغِّره الله ويجعله ذليلاً حقيرًا مهينًا.. بعدله وحكمته -سبحانه
وتعالى-.
وأما العبد المؤمن فلا يتكبر أبدًا ولا مثقال ذرة،
فهو يعلم مقت الله للمتكبرين، فلا يتابعهم أو يعظمهم أو يشارك فيما يقع
حولهم من هالات التعظيم والتبجيل -والذي يعلم من خلال الشرع أنه باطل-، أو
يدور في فلكهم راجيًا منزلة عندهم؛ إذ يعلم أنهم أهون على الله من الجعلان،
فهؤلاء الذين يخضعون للظلمة ويعظمونهم ويشاركون في تكبرهم، بل إنهم
-أحيانًا- يكونون سببًا في تكبرهم.
ما نظروا.. ولو نظروا؛ لعلموا:
فهؤلاء
لم يعرفوا أن الله هو المتكبر، وأن الكبرياء من صفته وحده لا شريك له،
وإنما نظروا فقط إلى مواضع أقدامهم وإلى هذه الدنيا، بل إنهم حتى ما نظروا
إليها، فلو نظروا إليها جيدًا؛ لعلموا ما كان من جزاء المتكبرين السابقين،
فأين "فرعون" أعتى المتكبرين المتجبرين؟! فماذا كانت نهايته؟ وإلى أي شيء
صار حاله؟!
بل
لو نظروا إلى المتكبرين في كل زمان؛ لعلموا أنها سنة ماضية بنهاية الجبروت
والطغيان والكبر، فإذا كان الأمر كذلك فلا يخضعوا ولا يذلوا أو يُهينوا
أنفسهم بمتابعة أهل الباطل المتكبرين.