كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فـ"العزيز"
مِن أسماء الله الحسنى التي وصف الله -عز وجل- بها نفسه كثيرًا، وقد ذُكر
من معاني اسم الله "العزيز": أنه "الذي لا مغالب له". وأنه الذي: "لا مرام
لجنابه".
لا مُغالب له:
فلا
يغالب الله -عز وجل-، فعزَّ بمعنى: غلب، وفي المثل العربي: "من عزَّ بزَّ"
أي: مَن غلب أخذ المتاع، فالعزة بمعنى: الغلبة، وقولنا: "لا يغالب" أكمل
في المعنى من: "لا يغلب"؛ إذ قولنا: "لا يغالب" بمعنى أنه لا يتصور أن يطلب
أحد غلبة الرب -عز وجل-، مثل قولنا: "لا يُقاتل" تعني أنه لا يتطلع أحد
إلى قتاله فضلاً عن قتله؛ فهذا ليس ممكنًا، فالله -عز وجل- لا يُغلَب ولا
يُغالَب.
لا مرام لجنابه:
فلا
يتطلع أحد إلى أن يُنازع الله؛ لعظمته -عز وجل-، وإن زعم بعض الكفرة
والطواغيت أنه: "ربهم الأعلى"، وقال آخر: "أنا أحيي وأميت"، وقال ثالثهم:
"أولك رب غيري؟!" فما هذا إلا مكابرة، ولما قال إبراهيم -عليه السلام-
للنمرود: (فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ) قال الله -عز وجل-: (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) (البقرة:258)؛
إذ لا يُنازَع الرب -عز وجل- في مثل ذلك، وعجز العباد عجز مطلق عن طلب
الوصول لصفة من صفاته، ولو فكر إنسان في ذلك؛ لحكم على نفسه بالعجز قطعًا
ويقينًا.
وقد عجز "فرعون" عن مواجهة آيات سيدنا موسى -عليه السلام- كما جاء في القرآن الكريم لما قال موسى: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) (الشعراء:24)، فما كان منه إلا أن حاد عن الجواب وعمد إلى التشغيب والاستهزاء (قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ) (الشعراء:25)، فما أجاب فرعون على أي حجة من هذه الحجج: من رب هؤلاء الناس؟! من رب الآباء الأولين؟!
وما كان منه إلا أن يحاول الهروب بعيدًا: (قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) (الشعراء:27)، فلما بهته موسى -عليه السلام- (قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (الشعراء:28)، فما استطاع أن يدعي أنه يقدر على أن يجعل الشمس تخرج من المشرق أو يجعلها تغرب من المغرب، وما كان منه إلا أن لجأ إلى البطش (قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) (الشعراء:29).
شهود آثار اسم الله العزيز:
فالله
-عز وجل- عزيز لا مغالب له، فضلاً على أن يكون له غالب، فلما يحاول الكفرة
-إذن- أن يغالبوا شرع الله؟! إنهم قد يهزمون المؤمنين ويغلبونهم، ولكن لا
يستطيع أحد منهم أن ينازع قدر الله!
زلازل وأعاصير:
فلا
يستطيع أحد منهم أن ينازع قدر الله باهتزاز الأرض، فما وجدنا أحدًا يستطيع
أن يقول -مثلاً- أننا قوة عظمى ولن نجعل الزلازل تحدث، ولن نجعل الأعاصير
تهب، أو سنجعل الشمس تتأخر أو تتقدم، فلا يمكن لأحد أن يفعل ذلك، فهم
مصابون رغمًا عنهم!
سفينة تغرق ومركبة فضاء تنفجر:
فيوم أن قالوا: صنعنا سفينة لا تغرق! إذا بها تغرق عند أول رحلة، وعندما قالوا: صنعنا مركبة فضاء تدعى: "CHALLENGE"
-وهي كلمة إنجليزية تعني: التحدي-؛ إذا بها تنفجر عند أول رحلة، فقد
أرادوا أن يتحدوا ربهم فقصمهم، وفي كل يوم تحدث آية من آيات الله تُبرهن
على أنه العزيز الذي لا يغالب.
يوسف وإخوته.. والله غالب على أمره:
فقد أراد إخوة يوسف أن يغلبوه ويجعلوه بعيدًا عن أبيه، فإذا بالذي يفعلونه يكون -بإذن الله- سببًا لتمكينه عليهم: (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف:21).
يوسف وامرأة العزيز.. والله غالب على أمره:
أرادت امرأة العزيز أن تحبس يوسف -عليه السلام- في السجن؛ ليستجيب لها، فجعل الله السجن سببًا لتملكه عليها وعلى الناس.
والله غالب على أمره:
فالله
-عز وجل- لا يُغالب، والذين ينازعون الله أمره الشرعي واهمون في ذلك، فلا
بد لدين الله أن يظهر، ومهما ظهروا على المؤمنين لفترة من الزمن فالعاقبة
في النهاية للمتقين، كما أخبر الله -سبحانه وتعالى-: (فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) (هود:49)، وقد ختم الله -عز وجل- الآيات التي ذكر فيها هلاك الكافرين من الأمم السابقة، فقال -سبحانه وتعالى-: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) (الشعراء:103).
فقد
غلب الله -عز وجل- هؤلاء الكافرين بعد أن غالبوا أمره، ونازعوا شرعه،
وغالبوا عباده المؤمنين، فغلبهم الله -عز وجل-، ورحم عباده المؤمنين،
فهو العزيز في انتقامه ممن عاداه، شديد العقوبة لمن خالف أمر الشرعي،
ينتقم ممن خالف شرعه، وكذب رسله، وعادى أولياءه، فيثأر لهم -عز وجل-.
فهو العزيز -سبحانه وتعالى-، وجعل العزة لعباده المؤمنين، فقال -سبحانه وتعالى-: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) (فاطر:10).
ذلوا له فأعزهم، وإن تكبروا أهانهم:
عبيد أذلوا أنفسهم لله كأشد ما يكون الذل؛ فأعزهم الله وأظهرهم على من خالفهم، ومَن طلب العزة بغير دينه وطاعته؛ أذله الله،
فقد أذل الله الطغاة المجرمين، فمن طغى منهم على الضعفاء منهم وتكبر
عليهم؛ أهانه الله -عز وجل- أعظم إهانة على يد أعدائه، فقد أهان الله فرعون
فغرق وهو يصرخ: (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (يونس:90)، وخرج جسدًا ميتًا لا حراك فيه: (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) (يونس:91)، وهكذا يذل الله الظالم ويهينه، ويذله أسوأ المذلة والهوان.
قلوب المؤمنين عزيزة.. وإن خضعت الأبدان:
وأما
أولياء الله المؤمنين فإن سُلط عليهم عدوهم فإنما يُسلط على أبدانهم أو
أموالهم أو أراضيهم، ولا يسلط على قلوبهم، ولربما أكرهوا الناس بأنواع
الاضطهاد المختلفة؛ لتوافق ألسنة المؤمنين إرادتهم، وإلا فقلوب المؤمنين
تظل كارهة للباطل، عزيزة ممتنعة عليهم.
أتبتغون عندهم العزة؟!
وأما
مَن وافق ورضي وتابع، وكان ذيلاً لهؤلاء الكفرة والمجرمين، فهذا هو الذل
الحقيقي الذي يطلب به الكفرة والمنافقون عز الدنيا فما يزيدهم إلا ذلاًّ
فصاروا تابعين لأعداء الله، موافقين لهم بالقلب واللسان، مسارعين في رضاهم،
ومعادين لدين الله وأوليائه من أجلهم، فكان أعظم الذل والهوان، وصدق الله
إذ يقول: (وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) (الحج:18)، فلما طلبوا العزة بمعصية الله والكفر به؛ أهانهم الله -عز وجل- وأذلهم.
فما كان السجن ذلاًّ ليوسف -عليه السلام-:
فما
كان السجن ذلاًّ ليوسف -عليه السلام-، وما كان الاستضعاف ذلاًّ لبلال ومَن
شابهه من المستضعفين من المؤمنين، وإنما كان الذل للكفرة الذين ملك الله
نواصيهم للشياطين: (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) (مريم:83)، فيصيبهم بأنواع من الذل في الدنيا.
فضائح.. ذل وهوان:
حتى
إن كبار هؤلاء يفضحهم الله بأنواع من الفضائح على سمع وبصر من العالم كله،
فانظر لمن كان يُقال عنهم رؤساء وكبراء -زعموا- كيف أذلهم الله وأهانهم
وفضحهم فضائح متتابعة؟!
أي عز.. وأي ذل؟!
فأي
عز دنيوي يطلبه الناس أكثر من مثل هذه الرئاسة والإمارة؟! وأي ذل أشد مما
وقع ويقع لهؤلاء؟! لقد طلبوا العزة بغير طاعة الله؛ فانتقم العزيز -سبحانه
وتعالى- منهم: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (الشعراء:9).
معاملة اسم العزيز بما يقتضيه من فعل العبد:
إذا
اشتد الكرب بالعبد؛ لجأ إلى العزيز، وتوكل عليه وفوض أمرة إليه -سبحانه
وتعالى-، فهو -عز وجل- العزيز الغالب على أمره، المنتقم من أعدائه، ومن آمن
بأن العزة لله؛ لم يطلبها من غيره، وطلبه لها يكون بطاعة الله -عز وجل-
ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.